الإسلام والديمقراطية: أي مستقبل؟ فضيل بومالة

Publié le


من أخطر ما آلت إليه الفلسفة السياسية في مرحلة ما بعد سبتمبر ,2001 التغيرات الجوهرية التي لحقت بالمفاهيم الأساسية للفكر الغربي المعاصر· ويتضح ذلك جليا في لغة واتجاهات العلاقات الدولية والعلوم السياسية ذاتها· فقد تجزأت القيم والمعايير وأصبحت نمطية وانتقائية وقابلة للإنصهار والتكيف بتأثير التحولات الجيوسيايسة ومخاضات العولمة كنسق أحادي المصدر، كوكبي الانتشار، فلم تعد الحرية ولا حقوق الإنسان ولا العدالة ـ مثلا ـ قيما مشتركة بالمعنى ذاته الذي ولدته الثورات الفكرية والعسكرية عند الغرب ·

ولذلك، نرى أن >الديمقراطية< قد أصبحت رهينة لصعود أو تراجع تلك القيم المؤسسة في الوعي التاريخي للإنسانية؛ أي أن >الديمقراطية< انتقلت من مستوى الغاية كمثل عليا، في إدارة الحكم والاختلاف والتعايش، إلى آلية توظف وفقا للخيارات الاستراتيجية والتوازات الداخلية والدولية ·

إنني، في هذا المقام تحديدا، لا أعيد النقاش القديم للواجهة حول طبيعة العلاقة بين الإسلام كدين والديمقراطية كنهج و>تكنولوجيا سياسية<· ولا أنوي أبدا إحياء الجدل حول >إيديولوجية< الإسلام والديمقراطية وحتمية الفصل بينها تماما كما حدث في غرب النهضة والتنوير· كما أن هدفي ليس المقارنة بين رؤية سماوية للعالم والتاريخ، وأخرى تطورية مرتبطة فقط وأساسا بالاجتهاد السياسي الدستوري في ما يعرف بالأنظمة السياسية المقارنة ·

إن هدفي المباشر يتلخص في سؤال المستقبل الجيوثقافي لكلا المفهومين اللذين اعتبرهما أهم ما طبع الفكر السلفي والسياسي والديني في القرن العشرين على محور الشرق والغرب ·

والحقيقة، أن المفهومين يطرحان من هذا التيار أو ذاك كبدائل للإدارة والحكم والعلاقات الدولية خصوصا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي سابقا· وقد تم ذلك الطرح لحد الآن عموما ضمن جغرافية الإسلام ذاته بأدوات لا تختلف كثيرا عن تلك التي حققت الاستقلالات الوطنية من الاستعمار الغربي بمعنى أن النزاع والحرب استمرّا إيديولوجيا وثقافيا بوسائل أخرى وبحركات جديدة تمكن أيضا من اختراق معظم الدول الغربية ·

إن سؤال المستقبل الخاص بالإسلام والديمقراطية يترجم سياسيا وسوسيولوجيا بأسئلة أخرى أكثر حدة وأخطر نتائج على المنظومتين الحضاريتين، فعن أي إسلام (كبديل سياسي وحضاري) نتحدث؟ وهل هو إسلام واحد أم متعدد بالمفهوم الثقافي والإناسي؟ وهل لدينا اليوم نموذج ما لهذا الإسلام الذي نريد؟·· وهل نحن حقيقة بحاجة إلى >نمذجته< ومن ثم محاولة تعميمه سلما أو عنوة؟

والأمر نفسه ينسحب على الديمقراطية·· هل نريدها نابعة من وعينا التاريخي والجمعي، أم نتبناها كطريقة جاهزة في إدارة الحكم؟ وأيا كان الجواب فالأهم هو الكيفية والقدرة على تطوير قيمنا ومفاهيمنا أو تكييف تلك الوافدة إلينا إلى منظومات مؤسساتية تفاعلية مع خصائص مجتمعاتنا·· وعن أي ديمقراطية نتحدث؟·· وهل الديمقراطية نموذج واحد؟ وهكذا·· إن هذه الأسئلة القديمة الحديثة تخفي وراءها اليوم، كما أرى، أسئلة أخطر وأعمق، فكيف للغرب مثلا، في ظل الحرب الأمريكية البريطانية الإسرائيلية على العالم الإسلامي، أن يقنع هذا الأخير بمفاهيم معيارية مزدوجة كالديمقراطية وحقوق الإنسان؟ أي ماهو مستقبل الديمقراطية في أرض الإسلام وماهي بدايات ونهايات اللغة المشتركة بين الغرب والشرق في هذا المجال ·

إن التجربة الأفغانية وأخواتها في العراق وفلسطين ولبنان ومصر والجزائر قد زادت جميعها في تلك الهوة وساهمت فكريا وإجرائيا في تقهقر >المشروع< بخمسين سنة أخرى· والسؤال ذاته يطرح عن مستقبل >الإسلام< كمشروع بديل في الداخل وكمساهمة حضارية إنسانية في الخارج· أي ماهو مستقبل هذا الدين ـ بعيدا عن الأفراد ـ داخل الغرب؟

إن فكرة القطيعة حقيقية وخلفية الصراع موجودة ولها مرجعياتها لدى الجانبين من الأصوليين· أما اجتهادات المستنيرين في الشرق والغرب فتظل فردية ومعزولة عن إدارة الحوار أو الصراع الذين تطبعهما إيديولوجيا ثنائية الإسلام والليبرالية من خلال معادلة الديمقراطية والاقتصاد الحر ·

إنني أزعم أننا جميعا فشلنا، كإنسانية، في بناء نسق قيمي مشترك يساهم فيه الإسلام مع غيره في صياغة روحه وأخلاقياته وتساهم فيه الديمقراطية من خلال مأسسة الحكم الشرقي والانتقال من الشيخ أو الزعيم أو الجنرال إلى المؤسسة الدولة· فماذا يصدر لنا الغرب >كديمقراطية< وماذا نصدر للغرب >كإسلام<؟

إن الديمقراطية الوافدة تولد يوميا بطرق قيصرية قهرية منافية لروحها لأن الغرب ـ أمريكا تحديدا ـ يريد فرضها بطرق ثلاث: إما بالأنظمة الأحادية الاستبدادية القائمة وإما ضد الأغلبية الانتخابية على اعتبار أن الشعوب مناهضة في جملتها للمصالح الأمريكية، وإما عن طريق التدخل المباشر أو الحرب الداخلية الأهلية· وذلك المنهج هو ذاته يؤكد رؤية غربية خاصة بالإسلام حيث يراد له إما أن يكون إسلام سلط حاكمة أو إسلاما سياسيا (إرهابيا بلغتهم يبرر إعلان الحرب عليه) حتى وإن كان يعتنق الديمقراطية ويمارسها في حدود الدساتير والقوانين وإما إسلاما غربيا تصنعه، لأسباب موضوعية، الأقليات المسلحة في الغرب بمعية مخابر التفكير ·

لقد قتل الغرب فينا ديمقراطيته وقتلنا فيه إسلامنا وانخرطت النخب المختلفة في بناء حقول مفاهيمية جديدة لا تعكس روح الإسلام وإنسانيته وعالميته ولا إبداع الديمقراطية كآليات وتقنيات للحكم وإدارته ·

لقد تحول الإسلام كما الديمقراطية بدلالاتيهما الأصليتين إلى محركين حقيقيين للحرب والتصادم بشرعية أو بدونها في وقت تحتاج إليها الإنسانية جمعاء وهي تبحث عن منظومة قيمية متوازنة وجوهر جديد للإنسان، أما المستفيد الأكبر من هذا التصادم فيظل الاستبداد عندنا وكارتلات المصالح والمجمعات العسكرية الصناعية عندهم ·

 

 

Publié dans المقالات

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article