أمة محمـد والقابـلية للاستعمار فضيل بومالة

Publié le

 

 

لم يعد المقام مقام الحديث العقلاني والحكمة الهادئة·· ولم يعد المجال مجال الخطابة والحماسة والتداوي بالشعر والسحر وفن الكذب على الذات ·

إن الزمن زمن الحقيقة والمرايا الكاشفة·· بعيداً عن أمراض ذاكرتنا المزيفة وخيالنا المتحجر· لقد طفح الكيل وبلغ السيل الزُّبَى والقلوب الحناجر، وانكشفت كل العورات وسقطت كل أوراق التوت وتدنّست كل القيم والمقدسات·· ونحن على ما نحن عليه من فساد سياسي وهري اجتماعي وتفسّخ أخلاقي وتخلّف علمي واقتصادي !

أين الإنسان فينا؟ أين روحنا وعقلنا وكرامتنا وإرادتنا؟ أين ديننا وعقيدتنا؟ بل وأين هي آدميتنا وفطرة الانتماء وغريزة حب البقاء؟! هل نحن أمة؟ وهل نحن مجتمعات؟ وهل نحن دول؟؟· وهل تحطمت أسرار الطبيعة فينا وتعطلت ثقافة الاجتماع؟

إن هول ما يحدث في فلسطين ولبنان لعظيم لكن مأساة حقيقتنا أعظم !

صحيح أن ثغور المقاومة هنا وهناك تشفي شيئا من الغليل وهي المحاصرة في ديارها خاصة من أنظمة حكمها وأتباع أعدائها، لكنها ليست أبدا فرض كفاية ولا تشفع مطلقا لحيرة السؤال: هل نحن مسلمون؟ هل نحن فعلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ وهل حقيقة نحن أصحاب حضارة ورسالة وهل تنسحب علينا فلسفة الخلافة في الأرض؟

إن مقاومة الاستكبار والتوحش واللاّإنسانية فريضة قرآنية وواجب أخلاقي وإنساني ونحن ملتزمون بذلك، كلٌّ بطريقته وقدرته، لكن مقاومة الاستكانة والوهن والاستبداد هي التي ستعتقنا من العبودية للجهل والتخلف والاستدمار· إن قوة الآخر في ضعف وفساد السلطان وشتات النخب وتهميش وتجهيل الشعوب· >واللّه إنّكم لا ترونهم كباراً إلاّ لأنكم راكعون< (الكواكبي)· وعليه فثقافة >الاستعمار<·· (على شريعتي) و>القابلية للاستعمار< (مالك بن نبي) هي التي توجه وعينا الزائف وتحكم إرادتنا المكبلة وتسكن نفوسنا البائسة المهزوزة ·

إن المقاومة، أيّا كانت إيديولوجيتها، محمودة تباركها السماء والأرض غير أنها تظل أضعف الإيمان لأنها ردّة فعل لا أكثر· أما الفعل وما يقتضيه من فكر ومبادرة وتغيير وحضارة فهو عمدة القوة ومحدد المكانة بين الأمم ·

وللأسف، فإن ردّ الفعل في سلوكنا وثقافتنا لا يرادف بالضرورة أي فعل معبّر عن تأهب واستعداد للمواجهة · إنه غالبا (اللهم إلا في حالة المقاومة الإسلامية والوطنية في فلسطين ولبنان والعراق على تفرّقها) ما يترجم ارتكاسة بافلوفية من خلال تأثير وسائل الإعلام أو لهب مؤقت كما نار الهشيم· وسرعان ما ينتقل إلى مرحلة الفرجة والتكيف والتبرير، إن لم ينقلب على المشروع ذاته متملّصا منه رافضا له لهذا الاعتبار أو تلك المصلحة· وينطبق ذلك على الأفراد والأحزاب والأنظمة سواء بسواء· فالجميــــــع على ديـــــن بعضــــــــهم البــــــــعض !

يبدو للقارئ أول وهلة أن عنوان المقال استفزازي وينبئ عن مفارقة وتناقض لا يقبلهما الدين والعقل والتاريخ؛ بمعنى أن أمّة محمد صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن تكون أمة الذلة والمسكنة و>القابلية للاستعمار<· ألم يحرّرها رسول الله من ذهنية العبد لتنتقل إلى الآدمية والإنسان: >ولقد كرّمنا بني آدم< (قرآن كريم)· ألم تكن على عهده ومن بعده محررة للبشرية ديناً وفكراً وسلوكَ حياةٍ· >متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمّهاتهم أحرارا< و>لا عبودية ولا استعباد< (عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ )· أليست هي (أي أمة محمد ص)· >··· خير أمّةٍ أُخرجَت للناس···<(قرآن كريم)؟؟· إن السننية الكونية في الإنسان والتاريخ كما نواميس الطبيعة وقوانين الفيزياء لا تخضع جميعها للعواطف و>المقدس< ذاته· فشروط البناء وقواعد العمران وأسرار القوة والعلم والتدافع هي الفيصل الوحيد بين >العزّة< والتفوق أو الانحطاط والتخلّف· وعليه، لم أجد بصدق ما يفسر المشهد التراجيدي الذي نحياه في دار الإسلام التي تحولت إلى ساحة حرب وغزو وإذلال، إلا نسقي >الغثائية< عند رسول الله ـ ص ـ و>القابلية للاستعمار< عند مالك بن نبي ـ رحمه الله ـ ·

فحديث الغثائية تشخيص تاريخي واستشرافي لحال الأمة ليس أدق من اليوم تحليلا: >يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكَلَةُ إلى قصعتها· قالوا : أوَمِن قلّة نحن يؤمئذ يا رسول الله؟· قال: لا، بل أنتم كثير ولكنكم غثاءٌ كغثاء السيل<· إنّ في الحديث فكرة التحالف والإجهاز على الأمة بدافع التقسيم وتقاسم المصالح· كما أنه آية على أن نظرية العدد لا تعني القوة بحكم أن الكثرة تنتقل من حالتها الصلبة فيزيائيا إلى حالتها الهشة (الغثاء) كيميائيا· (كم نحن من دولة إسلامية وعربية نفوق المليار ونصف المليار نسمة ونمتلك المال··· والقدرات العسكرية لكن؟؟ )·

إن هذا الحديث يلخّص مأساتنا ويزيدنا قناعة أننا، بخلاف الانتساب والاعتقاد، لسنا بالضرورة من يقصد من ورائهم بخير أمة أي أمة محمد ـ ص ـ ولا أبغي مما أقول أي جدل عقيم أو اجتهاد غث مع أي حاكم أو فقيه بلاط· وعلاوة على ذلك، مع استثناء القلة، فإن الحديث أصبح يعطي شرعية أكبر لتحليل مالك بن نبي لنفسية وروح وعقلية إنسان ما بعد الموحدين في العالم الإسلامي، من خلال مفهوم القابلية للاستعمار الذي أضحى واقعا ملموسا في كل المجالات· صحيح أن تلك القابلية ليست ظاهرة جينية لكنها ثقافية وسياسية واقتصادية· ونضيف إليها أنها لم تعد قابلية وكفى بل أصبحت استقداما للاستعمار واختيارا له ·

إن الثورة أصبحت مزدوجة· ثورة على أنفسنا ومقاومة للأخطار المحدقة بنا ـ ثورة جيل جديد مسلح بالعلم والإيمان الفاعل وضرورة التغيير بعيدا عن أسباب التفكك والفتن السياسية والحروب الأهلية· فإن كنّا فعلا نريد أن نكون أمة، علينا جميعا أن نكون شيعةً للحق وأنصاراً لسنّة محمد عليه الصلاة والسلام

 

المحقق 5/08/2006

Publié dans المقالات

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article